التسويق الرقمي بين التخطيط والتنفيذ والمتابعة: شرح تفصيلي
ظهر الإنترنت في البداية ليكون تابعًا للجهاز العسكري والحكومات ذات الميزانيات العملاقة القادرة على صيانة وضبطه ، ومع الوقت انتشر في العالم بمجرد وصول التقنية لمستوى سمح لأغلب الناس بامتلاك اجهزة في منازلها. هنا انفجر الإنترنت ليقدم للعالم الصورة البدائية من التسويق الرقمي المحبوب: المدونات.
في بدايات الإنترنت اعتمد الناس على طرح أفكارهم بدون قيود، يمكن للجميع قول أي شيء وترويجه بالأسلوب فقط، بعدها صار من السهل إدراج صور، وبالتبعية أخذت التدوينات شكل ألبوم الصور، ولاحقًا توالت الصور خلف بعضها البعض في إطارات متتابعة لتصنع مقاطع الفيديو، حتى وصلنا إلى عصرنا الحالي.
قطع التسويق شوطًا طويلًا منذ فجر الإنترنت وحتى اللحظة، وبالرغم من اختلاف معايير كل عصر؛ إلا أن المبادئ التجميعية خلال السنين ساهمت في صنع الصورة المثالية للتسويق هذه الأيام. ولهذا خلال السطور التالية تؤخذون في جولة ميدانية برحاب التسويق الرقمي الأثير، متحدثين عن خطواته من تخطيط وتنفيذ ومتابعة، بمثال بسيط لكل في الصميم
التسويق الرقمي: مرحلة التخطيط
وضع الأهداف
تهتم العلامات التجارية بأمور مختلفة حسب طبيعة كل علامة، وبالتبعية عند عمل أي حملة تسويقية تأتي إلى الأذهان أهداف مختلفة. مثال اليوم الذي سنسرده تفصيليًّا على طول المقال هو مطعم وجبات سريعة.
أهدافك التسويقية قد تتمثل في الآتي على الترتيب:
- بناء جمهور للحساب على تويتر وللصفحة على فيسبوك.
- تحويل الجمهور من مجرد متابع إلى متفاعل جيد.
- تحويله من متابع إلى مشتري متقطع.
- تحويله من متقطع إلى مستمر.
هذا وضعًا في الاعتبار أن مطعمك جديد تمامًا وتبدأ بعلامة تجارية خالية من أي وجود واقعي أو افتراضي على الإطلاق. علمًا أنه إذا كان للعلامة التجارية جمهور بالفعل ويشتري المنتجات؛ إذًا ستكون هناك آلية تسويقية أخرى تتمثل أهدافها في معالجة المشاكل التي تمنع العميل من الشراء باستمرار.
جدير بالذكر أن الأهداف يجب أن تكون قابلة للقياس، لو ركزنا جيدًا في النقاط الأربع السابقة سنجد أن كل نقطة يمكن قياسها بمؤشر أداء مُعين، وهذا ينقلنا للخطوة التالية
تحديد مؤشرات الأداء KPIs
لقياس تحقيق أهداف التسويق الرقمي من العدم؛ عليك وضع مؤشرات أداء.
ببساطة، مؤشر الأداء هو القيمة العددية أو اللفظية التي يمكن بها معرفة مدى نجاح الحملة التسويقية، وتبعًا للنقاط الأربع السابقة، ستكون المؤشرات كالتالي وضعًا في الحسبان أن الحملة مدتها 10 أيام فقط وسنقيس النتائج بمجرد الانتهاء:
- قياس الجمهور: عدد المتابعين المكتسبين على صفحات الميديا
- قياس التفاعل: عدد التفاعلات بالمقارنة مع عدد المتابعين
- قياس المتقطع: عدد المشترين لمنتجات مختلفة عمومًا
- قياس مستمر: عدد المنتجات المُشتراة لكل عميل
في بعض الحالات يكون مؤشر الأداء لفظيًّا، وهذا ينطبق على بعض جوانب العلامات التجارية التي تهتم بحلّ مشاكل العملاء؛ فيكون مقياس الأداء هنا هو رضا العميل أو تقديمه لتقييم إيجابي تجاه ممثل خدمة العملاء.
أيضًا لضمان جودة مؤشر الأداء؛ يجب تقييده بفترة زمنية معينة، أو مقارنته بشيء آخر. المؤشر المفتوح لن يستطيع تقديم آراء تدعم القرارات الحاسمة. مثلًا لا يجب عمل مؤشر "عدد المشترين لمنتج معين"، هذه صياغة خاطئة، وتكون الصحيحة هي: "عدد المشترين خلال فترة زمنية معينة" أو “ عدد المشترين مقارنة بعدد المنتجات ”
تقرير الميزانية
إننا نعيش في قلب نظام رأسمالي لا يرحم، لكنه أيضًا يُكافئ الذي يتعامل معه بذكاء ويستغل كل خباياه وأسراره. ولحسن الحظ أن عالم التسويق الرقمي يسير جنبًا إلى جنب مع الرأسمالية، ويمكن تطبيق نفس الخدع فيه بالضبط.
المستثمر الجيد لا يضع أمواله كلها في أسهم شركة واحدة في البورصة، ماذا يحدث إذا انهارت مثلًا؟ هل سيُعلن إفلاسه؟ بالطبع هو ليس بهذه الحماقة، ولا أنت كذلك!
ميزانية الحملة التسويقية مثل الاستثمار بالضبط؛ لا يجب أن توليها كل دعمك المالي دفعة واحدة.
اعلم أن الحملات التسويقية تنقسم إلى تجريبية ونهائية. التجريبية تكون بمثابة عينة تفهم بها سلوك الجمهور وطباعه وتطبق عليها مؤشرات الأداء، أما النهائية فتكون المصنوعة بنتائج تلك التجريبية وتُطبق عليها نفس المؤشرات لكن على نطاق أوسع وأكثر إحكامًا.
كما أنك لن تقوم بحملة تسويقية واحدة بالطبع، أنت لديك أهداف تسويقية مختلفة، ولكل هدف حملة خاصة به تختلف في المقومات وآليات التنفيذ عن الأخرى. لذلك لا يوجد أدنى سبب لضخّ المال كله في حملة واحدة ستفيد جانبًا واحدًا فقط من تجارتك.
بالمختصر المفيد، تقرير الميزانية يعتمد فقط وحصرًا على الآتي (بعد جمع نتائج الحملات التجريبية):
- عدد المتابعين المحتملين الذين تريد الحصول عليهم جمهور فقط.
- عدد العملاء المحتملين بعد كونهم متابعين محتملين.
- عدد المبيعات الشهرية لإبقاء المتجر قائمًا.
تذكر: لا تضع بيضك كله في سلة واحدة، هذه مقولة شهيرة في عالم المال والأعمال، وستجدها مطبقة حرفيًّا في كل ركن بالتجارة.
الآن انتهينا من وضع الأهداف والمؤشرات والميزانية، لما لا نأخذ جولة في المنطقة التنفيذية من بنيان التسويق الرقمي القادر على نقل ما وضعناه على الورق إلى أرض الواقع ليُحقق نتائج ملموسة؟
التسويق الرقمي: مرحلة التنفيذ
صنع المحتوى التسويقي
المحتوى هو القادر على جذب العميل ودفعه إلى القيام بأمر معين، أو فقط جذبه لضمان وجود قاعدة شعبية لعلامتك التجارية.
من أجل تحقيق التسويق الرقمي الناجح يجب أن يجمع المحتوى بين النصّ والصورة والفيديو باستمرار، لكن ليس في نفس الوقت.
بالنسبة لمطعم الوجبات السريعة، يمكنك التنويع بين المنشورات النصّية مثل: "ما الوجبة المفضلة لك بعد يوم عمل شاق؟" والمنشورات الصورية مثل وجبة برغر دسمة وعليها عبارة لهواة السبايسي "تقدر عليه؟" بجانب صورة لحبة فلفل أحمر مشتعلة، هذا بالإضافة لمقاطع فيديو مصنوعة بأسلوب التيك توك المتسارع والتي تجمع بين الأداء الصوتي الجيد والمونتاج اللمريح للعين.
مهما كانت الحملة التسويقية مصنوعة ببراعة شديدة، سيظل المحتوى هو المتحكم في النتيجة النهائية. ببساطة، المحتوى غير الجاذب للجمهور؛ غير محقق لمبيعات.
صياغة الحملة التسويقية
التسويق الرقمي في مواقع التواصل الاجتماعي يعتمد على ترويج منشور معين، سواء منشور موجود بالفعل في الحساب/الصفحة، أو منشور جديد تمامًا يتم عمله أثناء تدشين الحملة نفسها.
يُنصح بترويج منشور بالفعل عليه تفاعل وحقق نجاحًا لأن المعادلة الناجحة بالفعل موجودة فيه، والذي أعجب المتفاعلين عليه، بالتأكيد سيعجب المُروج إليهم لاحقًا. هذا بالتبعية ينقلنا إلى فنيّات صياغة الحملات التسويقية، واختصارًا، يمكن تلخيصها في الآتي:
- الديموغرافيا: أي المكان الذي يقع فيه عميلك المحتمل (النطاق الجغرافي)، يمكنك اختيار نطاق محدود للميزانية الضيقة ونطاق واسع للمفتوحة.
- الاهتمامات: وهي قائمة فيها كل ما ينتمي إلى علامتك التجارية من قريب أو بعيد (حتى أسماء المنافسين)، مع مرور الحملات التسويقية ستجد اهتمامات بعينها أفضل من غيرها وتركز عليها.
- المدة: أي الفترة الزمنية التي سيظل فيها إعلانك قائمًا، يُنصح عمومًا بعمل حملات مدتها 10 أيام (أو أكثر) للحصول على نتائج، نظرًا لأن الخوارزمية تأخذ يومًا لضبط إعلانك.
- الميزانية: بعد تخصيص الميزانية العامة لكل الحملات في مرحلة التخطيط، يتم وضعها هنا تبعًا لأهمية الحملة التسويقية في خطة التسويق الرقمي ككل.
باستخدام السابق، دعونا نُسقطه على مرآة الواقع بالنسبة لمطعم الوجبات السريعة خاصتنا، وقتها ستكون النقاط كالتالي:
- الديموغرافيا: المملكة العربية السعودية (نطاق مفتوح) أو الرياض (نطاق محدود).
- الاهتمامات: طعام – وجبات سريعة – دجاج – مقرمشات – بيبسي – مياه غازية – كوكا كولا – لاتيه – ستار بكس - إلخ.
- المدة: 10 أيام قابلة للتمديد حسب الاحتياج.
- الميزانية: 500 ريال
التدشين
إنها آخر جزئية من مرحلة التنفيذ في مجال التسويق الرقمي.
التدشين هو البدء فعليًّا في إظهار الحملة الإعلانية للنور، وبدء ضخّ المحتوى بناء على الميزانية الموجودة. وهنا نحتاج لتوضيح أن سعر النقرة/الظهور هو المتحكم في استهلاك ميزانيتك خلال فترة الحملة أو فترة أقل من المتوقع.
إذا كان مجالك محدودًا من حيث التنافسية؛ ستتمكن من الحصول على سعر نقرة قليل مقارنة بالمجالات عالية التنافسية. سوق أنت وحدك الموجود فيها لن تُجبر الموقع على رفع سعر النقرة عليك، بينما سوق فيها متنافسون كُثُر، تكون فيها التكلفة عالية جدًا، وهنا ننتقل إلى شرح "مزاد" النقرات!
هل فكرت يومًا بناء على ماذا تعرض خوارزميات مواقع التواصل الإعلانات للمستخدمين؟
الأمر كله عبارة عن مزاد يتم في الخلفية، وهناك عوامل كثيرة تدخل فيه مثل مدى ترابط الإعلان مع اهتمامات العميل، وجود منافس آخر بميزانية أعلى ووقت حملة أقل لوضعه في الأولوية، وغير ذلك. المُعلن الفائز بالمزاد هو الذي سيظهر إعلانه للمستخدم وسيتم خصم ثمن ظهور واحد منه.
في كل مرة يظهر إعلان جديد للمستخدم يتم عمل المزاد بين المُعلنين، وبناء على أكثر من مزاد لنفس المُعلن؛ يتم تحديد متوسط سعر للنقرة والظهور طوال فترة الحملة. لهذا عندما تقوم بعمل حملة يُظهر لك موقع التواصل رسالة مفادها أن الخوارزمية تحتاج إلى بعض الوقت حتى تقوم بجمع البيانات اللازمة لتحديد متوسط سعر النقرة، الذي لا تقوله لك إنها تنتظر معرفة متوسط ترتيبك في الظهور للمستخدمين بعد ربح عدة مزادات
التسويق الرقمي: مرحلة المتابعة
لا توجد خطوات فرعية لهذه المرحلة، كل ما تفعله فيها هو متابعة النتائج باستمرار وتدوين متوسط سعر النقرة والظهور لكل حملة بصورة منفردة، وهذا بهدف المقارنة مع المتوسط في الحملات المستقبلية.
إذا زاد سعر النقرة عليك اعلم أن سوقك باتت مزدحمة أكثر من السابق، وإذا قلت اعلم أن المنافسة في طريقها للانحسار. علمًا أن ذلك حقيقي فقط إذا ثبتنّا نفس الحملات في كل مرة، أي ثبتنا المحتوى والميزانية والتفاصيل والمدة الزمنية، أي تغيير سيؤدي لإرباك المعادلة والتقليل من مصداقية نتيجة المقارنة.
كذلك بعد الانتهاء من الحملة على خير؛ لا تجعل النتائج مقياسًا على نجاحك أو فشلك ككل. التاجر الجيد يُدرك أن وجوده في السوق يعتمد على اكتساب الخبرة، والاستمرارية تعتمد على التنويع في مصادر تلك الخبرة.
اعلم أن عالم التسويق الرقمي كبير جدًا، وأن كل حملة تسويقية جديدة تعتبر تجربة مثيرة للاهتمام وتستحق منك كل تقدير واحترام، والخبرة المكتسبة منها لا مثيل لها؛ هذا ببساطة لكونك لا تقارن نفسك بالآخرين، بل بنفسك!
أنت اليوم أفضل من الأمس، وفي الغد بالتأكيد ستكون أفضل من اليوم.
إذا فشلت في حملة، جرب في أخرى، غير في التفاصيل، عدل الاهتمامات واصنع صورة جديدة من المحتوى. ذكرنا في بداية المقال فكرة مطعم الوجبات السريعة كمثال، وكان هذا عن قصد 100%. هذه تجارة مربحة جدًا، وتنافسية جدًا جدًا. بلا شك ستفشل في الحصول على النتائج المرجوة في بعض الحملات على مرّ الطريق، لكن مع كل سقطة ستتعلم أمرًا جديدًا، حجرًا جديدًا في بنيان الرقي والربح والاستمرارية.
كنت تاجرًا ذكيًّا، واستغل التسويق الرقمي لصالحك.